القرآن الكريم : مركز أنصار السنة لعلوم القرآن الكريم : استماع - تلاوة - تفسير - ترجمة » تفسير ابن كثر » سورة العنكبوت
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) (العنكبوت)
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ صِفَات قَوْم مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِيمَان بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يَثْبُت الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ مِحْنَة وَفِتْنَة فِي الدُّنْيَا اِعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا مِنْ نِقْمَة اللَّه تَعَالَى بِهِمْ فَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه " قَالَ اِبْن عَبَّاس يَعْنِي فِتْنَته أَنْ يَرْتَدّ عَنْ دِينه إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه وَكَذَا قَالَ غَيْره مِنْ عُلَمَاء السَّلَف وَهَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اِطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة اِنْقَلَبَ عَلَى وَجْهه - إِلَى قَوْله - ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد" ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " وَلَئِنْ جَاءَ نَصْر مِنْ رَبّك لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ " أَيْ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْر قَرِيب مِنْ رَبّك يَا مُحَمَّد وَفَتْح وَمَغَانِم لَيَقُولَنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَيْ إِخْوَانكُمْ فِي الدِّين كَمَا قَالَ تَعَالَى : " الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْح مِنْ اللَّه قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيب قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ" وَقَالَ تَعَالَى : " فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ " وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ هَهُنَا " وَلَئِنْ جَاءَ نَصْر مِنْ رَبّك لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ " ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ " أَيْ أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي قُلُوبهمْ وَمَا تُكِنّهُ ضَمَائِرهمْ وَإِنْ أَظْهَرُوا لَكُمْ الْمُوَافَقَة ؟ .